عن اليمن وعُمان والكلمة التي كرهها السلطان قابوس
لم نره يكره شيئا أو يمقته، ولكنه كشف ذات يوم كرهه لكلمة واحدة فقط، كلمة كان وزرها بحجم السماء لديه، فما هي؟
كنا نسمع خطابات السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- الموجهة لشعبه العزيز، كنا نترقبه يقول: “أيها المواطنون الأعزاء”، وكم كنا نتمنى أن نسمعها منه كل يوم، كنا نحاول قراءة ما تنطق به شفتاه حين يخاطب ضيوفه، وكنا نتمنى ألا يحول بيننا وبين صوته لحنا يضعه الإعلام في لقاءاته، نعم، لم نكن نسمع ما يقوله في اجتماعاته ولقاءاته الرسمية، ولكننا على يقين أننا لو سمعناها لكنا على موعد مع حكمته.
لحسن حظي أن أصادف حوارا مكتوبا لأحد أهم لقاءات السلطان الراحل-طيب الله ثراه- مع وزير الخارجية الأمريكي، اللقاء كان سريا ولم ترد أية تفاصيل عنه في الإعلام، ولعل من حسن الحظ أن معظم اللقاءات الدبلوماسية الامريكية يتم تدوين تفاصيلها ونشرها بعد أن تنتهي مدة التحفظ عليها، أو أن تجد بعضا منها تم تسريبه في موقع ويكيليكس، كهذا اللقاء الذي سنتحدث عنه.
تناول هذا اللقاء عدة مواضيع، ولكننا سنستعرض رؤية السلطان قابوس للوضع في اليمن تحديدا، لأن الأوضاع الراهنة في غزة ودخول اليمن في هذا الصراع الإقليمي يستلزم منا العودة لسنوات مضت، وكيف كان تعامل السلطان قابوس مع جارتنا اليمن و تحديات واقعها المعقد.
كيف يرى السلطان الأوضاع في اليمن؟
كان السؤال الأول الذي وجهه نائب وزير الخارجية الأمريكي حول الشأن اليمني يتعلق عن وجهة نظر السلطان حول اليمن.
إجابة السلطان تلخصت في:
– صعوبة السيطرة على اليمن بسبب نظامها القبلي المعقد.
– توحيد اليمن زاد من تعقيد الأمور عوضا عن لم شملها، وذلك يعود إلى ما قال عنه السلطان قابوس: صعوبة تجاوب الطرفين بسبب “اختلاف العقليات بينهما” وهذا الاختلاف لا يتجلى فقط في صراعات السلطة ولكنه ينعكس جلياً في اختلاف الناس من الطرفين وعدم قدرتهما على الاندماج.
– قلق السلطان قابوس من عدم استقرار اليمن لأنها جارة مباشرة للسلطنة، وعبر السلطان عن أمله بأن يتمكن الأشقاء في اليمن من تطبيق سياسة موحدة في إدارة شؤون بلادهم، حيث قال: “عليهم أن يتفقوا على سياسة واحدة ويلتزموا بتطبيقها”.
الزيدية التي تجمعهم
أشار السلطان قابوس خلال حديثه عن الشأن اليمني إلى أن الحوثيين ومن يقود اليمن حاليا كلاهما ينتمون إلى فرقة واحدة وهي “الزيدية”، ولكنهم يحملون قناعات وعقليات مختلفة، فالسلطة الرسمية تنعتهم بـ”الشيعة” وأنهم يرغبون بتطبيق الإمامية في حكم اليمن.ويضيف: الحوثيون ابتعدوا كثيرا عن مسار الوحدة والتعاون مع السلطة، وما من طريقة لاستعادة الوحدة اليمنية إلا عن طريق كسر هيمنة نظام القبيلة.
النقاش حول قبلية اليمن ونجاة عمان منها
تطرق نائب وزير الخارجية الأمريكية إلى معاناة عمان في وقت من الأوقات من السلطة القبلية، والنجاح في تخطي هذا الأمر وتحقيق الوحدة الوطنية.
وقد علق السلطان قابوس– رحمه الله– قائلا:
– عمان تملك أرضية ثابتة مكنتها من النهوض من هيمنة القبائل إلى التوحد تحت راية واحدة من أجل عمان.
-إن تكوين الجيش العماني لم يعد كما في السابق، حيث كان محصورا على فئة وقبيلة معينة٫ ولكنه أصبح جيشا يضم كل العمانيين من مختلف الأصول.
– نحن نرغب بأن يحتفظ كل عماني بجذوره وأصوله التي ينتمي إليها، ولتحقيق ذلك نحن نمنح الجميع الحقوق ذاتها دون تفريق وتمييز.
الكلمة التي كرهها السلطان قابوس
قال السلطان قابوس صراحة بأنه يكره كلمة “الأقليات”، فهي استحدثت لتفريق وتشتيت المجتمعات.وقد قال رحمه الله لنائب وزير الخارجية بأن خطابه للشعب العماني في عام ١٩٧٢ شدد فيه على أن كل العمانيين سواء، ولا فرق بينهم ولهم ذات الحقوق وعليهم ذات الواجبات. وقد ذكر السلطان أن ذلك الخطاب جعل حتى المخالفين من أصحاب التوجهات المختلفة يتوحدون ونبذوا الخلاف من أجل عمان.
تغيير المجتمع بالقوة مرفوض
في حديثه قال السلطان قابوس لنائب وزير الخارجية الأمريكي بأنه لا يريد أن يتم تغيير أفراد المجتمع بالقوة، وعوضا عن ذلك توفير الفرص التي تساهم في تغييرهم نحو الأفضل، وإنه لا يؤمن بقمع واستخدام القوة تجاه المعارضين.
وقد أشار السلطان قابوس إلى أنه حين تولى الحكم لم يفرض على العائلات تعليم بناتها، ولكنه قام ببناء المدارس، وجعل الناس يدركون أنهم مسؤولون عن قراراتهم وكذلك عن عواقبها ويزنون الأمر بأنفسهم، وأن هذه السياسة أتت بنتائجها الإيجابية، فبعد بناء المدارس بعامين فقط أرسلت غالبية العائلات العمانية بناتها إلى المدارس، وهن اليوم يشكلن ٥٠٪ من طلبة التعليم الابتدائي.
وفي ختام حديثه عن هذا الشأن قال: المرأة العمانية قطعت شوطا كبيرا ووضعت بصمة طيبة في كافة القطاعات الخاصة و الحكومية وحتى القطاعات الأمنية.
تعليق