سلطنة عمان تعزز دور الصناعة في التوظيف وتشجيع ريادة الأعمال
يشهد العام الجاري تواصل طرح المبادرات المهمة التي تستهدف دعم جهود توظيف المواطنين وفتح مجالات جاذبة للقطاع الخاص وأنشطة رواد الأعمال وتمكينهم في مختلف القطاعات، ويحظى قطاع الصناعة التحويلية بنصيب وافر من هذه المبادرات التي تعمل من خلال مسارين يستهدف أولهما رفع معدلات التعمين في كافة المستويات الوظيفية وزيادة فرص التوظيف في القطاع والثاني هو توسعة الفرص الاستثمارية المتاحة للقطاع الخاص ورواد الأعمال.
وفي المسار الأول شهد الأسبوع الماضي مبادرة جديدة بتوقيع برنامج تعاون لتمكين الباحثين عن عمل في القطاع الصناعي، حيث يهدف البرنامج إلى تعزيز الربط بين مخرجات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل في القطاع الصناعي بسلطنة عمان، عبر التعاون والتنسيق بين مختلف الجهات المعنية ومنها مدائن، ووزارة العمل، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وأكاديمية الابتكار الصناعي.
أما المسار الخاص بدعم القطاع الخاص ورواد الأعمال فقد كان أحدث مبادراته تدشين إنشاء مجمعات متخصصة في المدن الصناعية بهدف تعزيز وجود أصحاب الأفكار الريادية والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في قطاع الصناعة عبر مجمعات للمصانع النموذجية الجاهزة في المدن الصناعية، وسبق ذلك طرح العديد من فرص الاستثمار في قطاع الصناعة وتسهيل الحصول على التمويل والتوسع في الاستفادة من المحتوى المحلي كآلية لدعم الاستثمارات والصناعة الوطنية.
ترصد هذه المبادرات الارتباط بين توجهات التنويع الاقتصادي في سلطنة عمان وبين جهود التوظيف وإيجاد فرص العمل الجديدة، وتساهم في إيجاد حلول مستدامة للتوظيف كتحد رئيس له الأولوية حاليا في سياسات النمو التي تعمل على خفض معدل الباحثين عن عمل وزيادة دور القطاع الخاص في التوظيف.
وتستهدف هذه المبادرات قطاع الصناعة كونه أحد أكبر الروافد التي تدعم النمو الاقتصادي نظرا لمساهمته الكبيرة في الناتج المحلي الإجمالي وجاذبيته المرتفعة لدى المستثمرين من داخل وخارج سلطنة عمان وما يملكه القطاع من إمكانيات في توفير فرص العمل وتشجيع القطاع الخاص ورواد الأعمال على اقتناص ما يتيحه تنوع الاقتصاد من فرص.
وخلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي، ساهم قطاع الصناعات التحويلية بنحو 8 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي لسلطنة عمان أي ما يعادل 2.5 مليار ريال عماني فيما حقق مساهمة بنحو 4.3 مليار ريال عماني خلال عام 2022.
وضمن الأنشطة غير النفطية، تعد الصناعات التحويلية من بين القطاعات الأكثر جذبا للاستثمارات الأجنبية المباشرة حيث سجل تدفق هذه الاستثمارات لقطاع الصناعات التحويلية نحو 1.9 مليار ريال عماني خلال عام 2022 وبلغ حوالي 1.4 مليار ريال عماني خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023.
وفي جانب التوظيف، شهدت معدلات التعمين في قطاع الصناعات التحويلية تحسنا مستمرا خلال السنوات الماضية وارتفع متوسط التعمين في المدن والمناطق الحرة إلى نحو 34 بالمائة خلال العام الماضي وإلى 38 بالمائة في المدن التابعة لمدائن، وتشير إحصائيات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات إلى أنه من بين إجمالي العمانيين العاملين في مختلف القطاعات الخاصة والحكومية وقطاع الأعمال هناك حوالي 120 ألف عماني يعملون في مختلف الأنشطة ذات العلاقة بجميع المجالات الصناعية وذلك حتى نهاية عام 2023 من خلال أنشطة مهن العمليات الصناعية والكيميائية والصناعات الغذائية والمهن الهندسية الأساسية والمساعدة، فيما تشير إحصائيات الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة إلى أن عدد القوى العاملة المباشرة خلال عام 2023 في المناطق التابعة للهيئة تجاوز 75 ألف عامل، وبلغ عدد القوى العاملة الوطنية المباشرة منها ما يزيد على 25 ألف عامل.
ومع تحسن معدلات التعمين وزيادة عدد العمانيين العاملين في أنشطة الصناعات التحويلية، يبدي القطاع جاذبية جيدة لدى المواطنين خاصة مع توفر عديد من عوامل الاستقرار الوظيفي منها عامل التخصص الأكاديمي الذي يضع العامل في وظيفة مناسبة لمؤهله الدراسي، وفرص التقدم والترقي الوظيفي وبيئة العمل المستقرة ووفرة برامج التدريب والتأهيل، كما تتيح نوعيات من الوظائف الصناعية خبرة تراكمية قد تشجع الشباب على استغلالها لاحقا والاستفادة منها في تأسيس مشروعات صناعية جديدة.
وتتيح مبادرات التدريب والتأهيل المتوالية فرصا واسعة لرفع معدلات التعمين في كافة الأنشطة والوظائف ذات العلاقة بالصناعات المختلفة، والتي يعمل بها حاليا أكثر من 800 ألف من القوى العمالة الوافدة وبلغ عدد الفرص الوظيفية الجديدة فيها خلال العام الماضي أكثر من 30 ألف فرصة عمل.
وتأتي المبادرات التي تم الإعلان عنها هذا العام ضمن المبادرات النوعية المهمة التي تستهدف دعم قطاع الصناعة التحويلية ورفع معدلات التعمين والتمكين في القطاع، وتم خلال العامين الماضيين إطلاق "أكاديمية الابتكار الصناعي" التي تتولى تنفيذ عدد من البرامج المهمة لتحقيق هذه المستهدفات منها برنامج توريد الذي يعمل على تطوير الفرص الاستثمارية بصورة مباشرة بمختلف سلاسل التوريد في عدد من القطاعات الصناعية وطرحها للاستثمار من قِبل الشركات الناشئة أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وبرنامج ربط كحلقة وصل بين المنتجات الصناعية العمانية القائمة بالمناطق الصناعية وبين المناقصات الحكومية، كما تساهم الأكاديمية بدور مهم في رفع نسبة التعمين في القطاع الصناعي من خلال برنامج "تعمين" الذي يستهدف إحلال وتوأمة الوظائف الاختصاصية والقيادية في المدن التابعة لمدائن وزيادة نسب التعمين في مختلف المؤسسات والمصانع.
وضمن محور الاقتصاد والتنمية في "رؤية عمان 2040" يعد سوق العمل والتوظيف أحد الأولويات التي تتصدر المرحلة الأولى من تنفيذ الرؤية المستقبلية، وضمن ذلك يجري تنفيذ البرنامج الوطني للتشغيل الذي يستهدف تأهيل الشباب للالتحاق بسوق العمل وتشجيع الإقبال على ريادة الأعمال بما يواكب التطورات التكنولوجية والثورة الصناعية الرابعة ومهارات المستقبل، وينفذ برنامج تشغيل خطة لرفع نسب التوطين في الوظائف النوعية والعمل على ربط التعليم باحتـياجات سوق العمل واستشراف مهارات المستقبل، وتحفيز وتمكين العمل الحر كمصدر لفـرص التشغيل وتحقـيـق تطلعات الشباب.
وخطت سلطنة عمان خطوات واسعة نحو تطوير منظومة التشغيل ودعم آفاق التوظيف، حيث تم تحديث القوانين والتشريعات ذات الصلة، وبدأ العام الجاري تطبيق منظومة شاملة ومتطورة للحماية الاجتماعية، كما صدر العام الماضي قانون العمل الجديد كمظلة تواكب المتطلبات الحالية والمستقبلية للنمو وتدعم الإنتاجية وتوفر الحماية لحقوق طرفي الإنتاج وتجعل من بيئة العمل في القطاع الخاص بيئة جاذبة وآمنة ومستقرة لطرفي الإنتاج بما يواكب المرحلة الجديدة للتنمية المستدامة في سلطنة عمان في ظل "رؤية عُمان 2040" وما يشهده سوق العمل العالمي من متغيرات.
تعليق