سلطنه عُمان تنتهج خطوات متسارعة لمواكبة التطور التقني في الاقتصاد الرقمي
تتجه المجتمعات الحديثة بشكل متزايد نحو استخدام التقنيات الحديثة في عمليات الدفع أثناء المعاملات التجارية، مبتعدة تدريجيا عن الاعتماد التقليدي على الأوراق النقدية، حيث أكد خبراء اقتصاديون على الفوائد الجمة لاستخدام هذه التقنيات، وأشاروا إلى دورها المحوري في الحد من التهرّب الضريبي وغسيل الأموال، وتحقيق الشفافية المالية للحكومات، وتعزيز نمو الاقتصاد بشكل عام، ورغم توقعاتهم باستمرار استخدام النقد في بعض المعاملات إلا أنهم يرون أن هذا الاستخدام سيبقى محدودا في المستقبل القريب.
وأكدوا في استطلاع أجرته "عمان" ان سلطنه عُمان تنتهج خطوات متسارعة لمواكبة التطور التقني في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية، موضحين ان التحول نحو التعاملات الإلكترونية يتيح مستقبل مالي أكثر كفاءة وأمانا، ما يتطلب تكييفا من قبل الأفراد والشركات والمؤسسات المالية.
وتوقّعت المكرمة الدكتورة شمسة الشيبانية خبيرة اقتصادية أن تستمر الأوراق النقدية في الوجود بعد 5 سنوات على الأقل، لكن من المرجح أن يكون استخدامها محدودًا أكثر مع مرور الوقت.
وعلى الرغم من التقدم السريع في تقنيات الدفع الإلكتروني وتزايد الاعتماد على البطاقات المصرفية والتطبيقات المالية، إلا أن هناك عوامل عديدة تساهم في استمرار استخدام الأوراق النقدية، مثل: العادات والتقاليد، حيث إن بعض الأفراد والمجتمعات يفضلون استخدام النقد لسهولة التعامل به. ومن هذه العوامل أيضا عدم توفّر البنية الأساسية، إذ إن بعض المناطق النائية أو الدول النامية قد لا تكون البنية الاساسية للمدفوعات الإلكترونية متاحة فيها بشكل كامل. ومن العوامل أيضا الأمان والخصوصية، إذ يفضّل بعض الأفراد استخدام النقد للحفاظ على خصوصية تعاملاتهم المالية.
تأثيرات عديدة
وعن مدى تأثير غياب استخدام الأوراق النقدية على التعاملات التجارية والبنوك، قالت: إذا قلّت الأوراق النقدية بشكل كبير أو اختفت تمامًا؛ فستكون لذلك تأثيرات عديدة على التعاملات التجارية والبنوك كالآتي: إن زيادة الكفاءة والتعاملات الإلكترونية في التجارة يمكن أن يزيد من كفاءة عمليات البيع والشراء، وإتمامها بسرعة وبدقة أكبر. كما يمكن أن تؤدي إلى تقليل التكاليف، حيث إن تقليل الحاجة إلى إدارة الأوراق النقدية يقلل من تكاليف النقل والتخزين والتأمين، بالإضافة إلى أنّ الأمان في المدفوعات الإلكترونية يقلل من مخاطر السرقة والاحتيال المرتبطة بالنقد.
وأوضحت الشيبانية إن زيادة الخدمات الرقمية في البنوك ستعزز من استثماراتها في تطوير وتقديم الخدمات المصرفية الرقمية، مثل التطبيقات المصرفية والبطاقات الإلكترونية، كما أن تقليل استخدام الأوراق النقدية سيدفع إلى تقليل عدد الفروع الفعلية للبنوك مع تحول العملاء إلى القنوات الإلكترونية لإجراء معاملاتهم، إلى جانب أن التعاملات الرقمية تتيح للبنوك جمع وتحليل بيانات العملاء بشكل أكثر فاعلية، مما يمكّنها من تقديم خدمات مالية مخصصة وتحسين إدارة المخاطر.
وأكدت على إنّ التحول نحو التعاملات الإلكترونية يتيح مستقبل مالي أكثر كفاءة وأمانا، لكنه يتطلب تكييفا من قبل الأفراد والشركات والمؤسسات المالية.
ضبط السلوك الاستهلاكي
وقالت الدكتورة حبيبة المغيرية أكاديمية وخبيرة اقتصادية حول تأثير الدفع الإلكتروني مقابل الأوراق النقدية على ضبط السلوك الاستهلاكي للأفراد: إن السجلات الرقمية التي أُنشئت تلقائيًا من خلال عمليات الدفع ببطاقات الفيزا والتحويلات عبر الهاتف المحمول تساعد المستهلكين على تتبع عادات الإنفاق الخاصة بهم بسهولة أكبر مقارنة بالمعاملات النقدية، وكما أنها تضمن للمستهلك استرداد المبالغ بطريقة آمنة وسهلة مقارنة بالدفع النقدي، ولكن بسبب سهولة وسرعة الدفع الإلكتروني فيجب على المستهلك الحذر للسيطرة على الإنفاق وضمان ادخار بعض المال، وذلك بإتباع بعض الإجراءات المهمة، منها: المراقبة المنتظمة لبيانات الحساب، واستخدام أدوات الميزانية في مراقبة الإنفاق، وتحديد سقف شهري لوضع حدود للإنفاق والالتزام بها يمكن أن يمنع الإفراط في الإنفاق.
وأشارت إلى ان طُرق الدفع عبر الإنترنت وإجراء المعاملات التجارية عن بُعْد للمستهلكين تتيح الاستفادة من الخصومات والصفقات عبر الإنترنت؛ مما قد يساهم في تحقيق التوفير الإجمالي. وبشكل عام فـإن بطاقات الفيزا تُقدّم بعض المزايا التي قد تساعد المستهلك على التوفير منها المكافآت أو الاسترداد النقدي أو الحصول على نقاط مقابل عمليات الشراء.
وأوضحت ان الدفع النقدي قد يؤدي إلى إساءة الاستخدام في أنشطة غير قانونية، ولكن توجد أيضا في كل دولة قوانين ولوائح وممارسات تنفيذية في مختلف البلدان تمنع وتَحد من استخدام الأموال النقدية في الأنشطة غير القانونية، حيث إن المعاملات النقدية مجهولة المصدر لا يمكن تعقّبها، مما يجعل من الصعب على الجهات الأمنية تَعقّب الأنشطة غير القانونية، وبالتالي يمكن أن يؤدي عدم الكشف عن الهوية إلى تسهيل غسل الأموال والتهرب الضريبي وغيرها من الأنشطة غير المشروعة، مشيرة إلى أنه في الوقت الحالي أغلب التعاملات تنفذ بالدفع الإلكتروني، كما يقل أو يندر وجود هذه الأنشطة والعكس صحيح فكلما ابتعدت الدول عن الدفع الإلكتروني وأجازت بشكل أكبر الدفع نقدا في التعاملات زادت الممارسات والأنشطة غير مشروعة.
الحوكمة المالية
وقال قيس السابعي خبير اقتصادي: تكمن أهمية الدفع الإلكتروني في المعاملات التجارية في سهولة الدفع والسرعة والآمان للسيطرة التامة وتحقيق الحوكمة المالية؛ لأن هذه التطبيقات الإلكترونية فيها اشتراطات وأسس تعطي الطمأنينة للجميع، ويتوقع السابعي استمرار التعاملات بالأوراق النقدية خلال الأعوام الخمسة المقبلة وربما أكثر في دول الخليج العربي بشكل عام وسلطنة عُمان بشكل خاص، نظرا لارتباط عملة دول الخليج بالتجارة العالمية وسلة العملات الأجنبية والدولار الأمريكي والبورصات العالمية، ولكن من الملاحظ أن إدخال التقنيات الحديثة في عمليات الدفع الإلكتروني في المعاملات التجارية تطوّرت بشكل متسارع إذ بات التعامل بالأوراق النقدية محدود جدا، حيث إن سلطنة عُمان تتجه نحو الاقتصاد الرقمي في جميع المعاملات التجارية والمالية سواء باستخدام الدفع بالبطاقة من خلال آلة الدفع الإلكترونية أم الـكود السريع الـ QR أو التطبيقات الذكية أوالتطبيقات المعدة لعمليات الدفع الإلكتروني.
وأوضح الخبير الاقتصادي أن سلطنه عُمان تنتهج خطوات متسارعة لمواكبة التطور التقني في الاقتصاد الرقمي والتكنولوجيا المالية، إذ أصدرت قرارا يلزم التجار والمحلات التجارية بتوفير أجهزة الدفع الإلكترونية مما يساهم في تطبيق الحوكمة المالية والدقة والشفافية في المعاملات التجارية بين البائع والمستهلك، وتابع حديثه قائلا: أصبحت الجهات الحكومية لا تستقبل النقد إطلاقا وإنما الدفع الإلكتروني؛ لكي تؤول المبالغ المالية إلى رفدها أو مكانها الصحيح حتى لا تتعرّض لشي أو يخالجها شك أو نصب أو احتيال.
وذكر السابعي فوائد الدفع إلكترونيا، ومنها: القضاء على غسيل الأموال، ومنع التهرّب الضريبي، والحد من السرقات المالية للمحلات التجارية، والقضاء على عمليات بيع وشراء الممنوعات كالمخدرات وغيرها، والتسهيل على البنوك التجارية في حالة سرقة بطاقات الدفع الإلكترونية، والحد من الفساد المالي، وسرقه المال العام، وتحقيق الحوكمة المالية الصحيحة الدقيقة الواضحة، وتقليل التكاليف واختصار الوقت، وسهولة التعامل في أي وقت من الأوقات ليلا أو نهارا أو خارجا عن نطاق الوقت المألوف وعدم التقيّد بوقت معين، وزيادة الأرباح وتعزيز الاقتصاد.
وقال السابعي: إن مواكبة التطور التقني في الاقتصاد هو مطلب عالمي، ويجب في الوقت الراهن على البنوك التجارية أن تواكب التطور التقني لما له من تأثير إيجابي في تقليل التكاليف من خلال الاستغناء عن آلات الصراف الآلي، وتقليل عدد أفرع البنوك التجارية وغيرها من الآثار الإيجابية.
تعليق