انتقلت التغيرات المناخية التي يشهدها كوكب الأرض من مرحلة الاحتباس الحراري إلى مرحلة الغليان العالمي.. هكذا جاءت التصريحات التي صدرت عن الأمين العام للأمم المتحدة معبّرة عن حدة وخطورة المرحلة التي وصلت إليها مظاهر التغيرات المناخية العالمية منذ بداية الصيف الحالي، والذي شهد موجات شديدة الحرارة وحرائق للغابات في العديد من أنحاء العالم كما تم تسجيل درجات حرارة هي الأعلى على الإطلاق في كوكب الأرض خلال الشهر الجاري.
وفيما تتصاعد تبعات التغير المناخي تبدو الجهود العالمية لاحتواء هذه التغيرات غير كافية لإحداث أثر ملموس، وهناك تفاوت في التزام الدول بأهداف التنمية المستدامة التي أعلنتها الأمم المتحدة، والتي يأتي التغير المناخي كأحد مستهدفاتها الرئيسية نظرا لما تسببه تغيرات المناخ من تهديد لمستقبل الحياة على كوكب الأرض، وهناك دول تأخذ تحديات التغير المناخي بجدية، بينما تتخوف أخرى من تأثير سياسات خفض الانبعاثات على معدلات النمو، بينما تفتقد دول أخرى خاصة الفقيرة والنامية لمصادر تمويل مكافحة التغير المناخي، ولا تتوافر لديها القدرات الوطنية أو التكنولوجيا الضرورية لإحداث تأثير فعلي في جهود الحد من الانبعاثات الضارة.
وتندرج سـلطنة عمان ضمن الدول التي أبدت منذ وقت مبكر التزاما بالأهداف الأممية للتنمية المستدامة والحد مـن تحديات التغيرات المناخية، وكان لسلطنة عمان دور ريادي في دعم الجهود الدولية في مجال احتواء مخاطر التغير المناخي، حيث انضمت سلطنة عمان لعديد من الاتفاقيات الدولية منها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشـأن تغير المناخ، واتفـاق باريـس 2015 بشـأن تغيـر المناخ، وخلال العام الماضي، تم إعلان الاستراتيجية الوطنية لسلطنة عُمان للانتقال المنظم إلى خطة الحياد الصفري بحلول عام 2050، والسياسة البيئية الوطنية لقطاع الطاقة، كما تم إنشاء مركز عُمان للاستدامة، الذي يعمل على ضمان تنفيذ مخرجات الخطة الوطنية للحيادِ الصفري الكربوني في سلطنة عُمان، وبذلك تحقق سلطنة عمان تقدما مستمرا وتبدي التزاما كبيرا بتنفيذ مختلف أهداف التنمية المسـتدامة 2030 الأمميـة، ومن بينها الأهـداف ذات العلاقة بالبيئة والتغير المناخي.
وفي جميع القطاعات التنموية بما في ذلك الحكومية والخاصة على حد سواء، اتخذت سلطنة عُمان خطوات مهمة نحو الوصول لاقتصاد منخفض الانبعاثات، واحتواء التغير المناخي عبر التسارع الكبير في التحول نحو مشروعات الطاقة المتجددة، والتي تشمل الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، وتعد سلطنة عمان من الدول الرائدة في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة.
وضمن طموحات الرؤية المستقبلية تسعى سلطنة عمان إلى التحول لمركز مهم إقليميا وعالميا لإنتاج الهيدروجين اعتمادا على وجود المقومات الرئيسية لإنتاجه والمتمثلة في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والأراضي الممتدة والكوادر البشرية، وخبرتها في إنتاج الطاقة وتصديرها، وموقعها الجغرافي الفريد بين مختلف الأسواق.
كما تتبنى سلطنة عمان خططا لخفض الانبعاثات في قطاعي النفط والصناعة وتتوجه الشركات والقطاعات الحكومية نحو سياسات تحافظ على البيئة وتسهم بفاعلية في الوصول للحياد الصفري الكربوني، والتوجه متزايد أيضا نحو الاقتصاد الأخضر والمدن المستدامة، وفتح الطريق نحو التوسع في الاستثمارات المستدامة واهتمام بإمداد الصناعات القائمة بمصادر الطاقة المتجددة لخفض الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية، التي تعد سببا رئيسيا في زيادة الانبعاثات.
وتأكيدا على الاهتمام بالاقتصاد الأخضر فخلال الفترة الأخيرة، أعلنت وزارة الاقتصاد أنها تعمل على إجراء دراسة للكلفة الاقتصادية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون في سلطنة عمان، تتضمن تقدير العوائد المتوقعة وتحديد السياسات والتشريعات والحوكمة الاقتصادية، فيما تركز رؤية عمان 2040 على تطوير المصادر غير التقليدية من الموارد الطبيعية، كاستخدام مختلف أنواع الطاقة المتجددة التي تسهم في تخفيض الكلفة على القطاعات الإنتاجية، وتعزز من تنافسيتها، إضافة إلى تبني نهج التحول نحو الاقتصاد الأخضر واستراتيجياته في تطوير مشروعات البنية الأساسية، والتوجه نحو وسائل الطاقة المتجددة، كما تستهدف سلطنة عمان بناء القدرات الوطنية لدعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر، وزيادة التعاون الدولي فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا والتمويل.
وتشير الدراسات التي تمت في سلطنة عمان إلى أن هناك عدة قطاعات تتأثر بظاهرة الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية وهي قطاعات البيئة والأنظمة البيئية مثل الشعاب المرجانية وأشجار القرم والثروة السمكية، فيما تشمل تأثيرات التغير المناخي تناقص كميات الأمطار والجفاف والتصحر والتدهور في الغطاء النباتي وارتفاع درجات الحرارة.وخلال السنوات الأخيرة، سببت الأنواء المناخية التي تعرضت لها سلطنة عمان خسائر مادية وبشرية وأضرارا كبيرة للبنية الأساسية.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة، أنه بدءا من عام 2000، أودت الكوارث المناخية في كل عام بحياة أكثر من 2600 شخص، وأثرت على حياة الملايين وتسببت في أضرار مادية مباشرة بمليارات الدولارات، فيما تقدر الخسائر غير المباشرة للاقتصاد العالمي والناتجة عن تبعات التغير المناخي والكوارث الطبيعية إلى ما يصل إلى 178 تريليون دولار حتى عام 2070 وفقا لدراسة صادرة عن مؤسسة ديلويت للاستشارات.
وقد دعت دراسات صادرة عن صندوق النقد الدولي إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء تأثيرات تغير المناخ في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وأكدت هذه الدراسات على الحاجة إلى دعم دولي لتمويل الإجراءات اللازمة للحد من تغير المناخ، حيث تهدد الكوارث المناخية في المنطقة آفاق النمو الاقتصادي السنوي وتؤدي لتراجعه، ومن المتوقع أن تصبح التغيرات المناخية أكثر شدة مع ارتفاع حرارة كوكب الأرض، حيث سجل شهر يوليو الجاري أعلى درجة حرارة، ويتفاقم تأثير التغيرات المناخية في البلدان التي يسودها طقس حار، كما تتزايد التأثيرات بشكل حاد حتى في المناطق معتدلة المناخ صيفا مثل دول القارة الأوروبية.
ووفق التعريفات التي تعتمدها منظمة الأمم المتحدة، يشير مصطلح تغير المناخ إلى التحولات طويلة الأجل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. ويرجح علماء المناخ أن البشر مسؤولون عن ظاهرة الاحترار العالمي منذ بداية الثورة الصناعية.ويذكر أن ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض هو مجرد أحد مظاهر التغير المناخي والتي تشمل تبعات أكثر خطورة أهمها الإخلال بكافة مكونات النظام البيئي على كوكب الأرض، ومنها تهديد الحياة البحرية وموجات الجفاف الشديد، والحرائق والفيضانات، والعواصف وتدهور التنوع البيولوجي فضلا عن انتشار أمراض لم تكن شائعة من قبل.
تعليق